في الحديث عن التنمية.. ما الأهم؟

قبل عدة أيام رعى سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان "وفقه الله" ورشة العمل التي جمعت عدداً من الوزراء مع بعض شرائح المجتمع، وجرى في الاجتماع استعراض رؤية التنمية المستقبلية للمملكة بحلول عام 2020م بإذن الله.

وقد تفاعلت وسائل الإعلام والناس مع ما تضمنه ذلك الاجتماع وما جاء في كلمة الأمير محمد بن سلمان حول هذا الموضوع، وارتفعت مؤشرات التفاؤل والأمل والطموح في نفوس الناس إلى حدّ غير مسبوق، مستبشرين بطموح ورؤية الأمير الشاب الأمير محمد بن سلمان للوصول بوطننا الحبيب إلى بعض ما يستحقه من علو ورفعة وازدهار وتقدم.

ولا أظن حدثاً كهذا يمكن لأي كاتب تجاوزه دون أن يَشرُفَ قلمُه بالمساهمة في التعليق عليه بما له صلة بتخصصه، أو بما يحمله من رسالة أو طموحات يتمنى أن يحققها الوطن العزيز.

وما دام الحديث هنا عن التنمية، ولأنه تزامن مع الكثير من الظروف والأحداث ذات الصلة التي لا شك أنها تلقي بظلالها على قضية التنمية والإدارة، فإن من الضروري لفت النظر إلى هذه الجوانب ومدى تأثيرها وترابطها مع هذا الموضوع، ومن أبرز هذه القضايا ما يلي:

أولاً: امتاز عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز "غفر الله له ورحمه" ومثله عهد الملك سلمان – أيده الله وحفظه – وبشكل غير مسبوق، بالحزم في التعامل مع أداء الوزراء المعينين، وعدم التردد في عزل الوزير واستبداله بغيره متى ما تبين أن أداءه لم يكن على الوجه المأمول.

وهذه المسألة تلامس قضية غاية في الأهمية، وهي الأساس الأهم في معالجة الكثير من جوانب القصور والخلل في أداء أي وزارة أو جهة حكومية، ألا وهي مسألة (اختيار الأكفأ) لشغل المناصب الحساسة سواء الوزارة أو ما دونها من الإدارات الحيوية المهمة، وذلك بأن يكون المعيار الأوحد في اختيار المسؤول لشغل أي منصب هو (الكفاءة والاقتدار) المتمثلين في قول الله عز وجل (إن خير من استأجرت القوي الأمين) وبقدر اختلال هذا المعيار أو التراخي في تطبيقه سيظهر الخلل دوماً في النتائج والآثار، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

وهنا تبرز مسألة ذات أهمية قصوى ألا وهي: (مدى توافر المؤشرات والوسائل الدقيقة التي يمكن من خلالها اكتشاف الأكْفاء في أي تخصص أو وزارة ومعرفتهم) وكيف يمكن لصانع القرار أن يتوافر عنده قاعدة معلومات تكشف وبدقة عن أمهر وأكفأ المتخصصين في كل ميدان من ميادين التنمية والإدارة، من خلال مؤشرات دقيقة موثوقة مبنية على حقائق ووقائع ثابتة، لا محل فيها للعواطف والمحاباة والجوانب الشخصية.

فكم من رجال ذوي كفاءة واقتدار تزخر بهم وزاراتنا وإداراتنا الحكومية، لكنهم لم يبحثوا عن الأضواء، ولم يجدوا وقتاً لتسويق أنفسهم، لانهماكهم في العمل الجاد الوطني المخلص، وكم نحن بحاجة للبحث عنهم، وتلمسهم، وإبرازهم والاعتماد عليهم.

ثانياً: من أهم ركائز التنمية الحقيقية، وأبرز شروط نجاحها (سيادة القانون على الجميع وتساوي الناس أمامه).. وبعيداً عن كل الجدل الطويل حول مدلول هذه الكلمة في كتب القانون، فإني أعني هنا بكل بساطة: أن يكون الجميع خاضعين للأنظمة والقوانين، وقبل ذلك لأحكام الشريعة الإسلامية، وأن تشدد الرقابة على كل الوزارات والأجهزة الحكومية لاحترام هذا المبدأ الأساسي، وإن مما يأتي على قائمة التطبيق لهذا المبدأ (احترام أحكام القضاء وتنفيذها) وأعني بها الأحكام القضائية الإدارية التي تصدر في مواجهة الجهات الحكومية، إذ ما زلنا نسمع ونرى من وقت لآخر، تعنت بعض الوزارات والجهات الحكومية وامتناعها عن تنفيذ حكم قضائي نهائي، صادر عن ديوان المظالم ضد تلك الجهة.

وسبق لي مراراً استعراض هذه المشكلة والتنويه عن مدى خطورتها، إلا أن حديثنا اليوم عن التنمية والرؤية المستقبلية لها في المملكة خلال السنوات القادمة، تستدعي التأكيد مجدداً على أن هذه القضية يجب أن تكون في رأس القائمة، وعدم التهاون مع أي مسؤول يقف في وجه تنفيذ حكم قضائي.

ثالثاً: من أكبر عوائق التنمية التي نشهدها دوماً، سوء تنفيذ المشروعات الحكومية، وكثرة الشكوى من تعثرها ووقوع الفساد فيها، وفي أكثر من مشروع لجأت الدولة إلى وسائل استثنائية خارج إطار نظام المنافسات الحكومية لضمان جودة وحسن تنفيذ بعض المشروعات ذات الصبغة المهمة، وهذا يستدعي إعادة النظر في مدى فاعلية نظام المنافسات الحكومية، وقدرته على مواكبة هذه المرحلة المهمة من عمر البناء والتنمية.

ومن المناسب أيضاً استحداث وزارة تقوم على تنفيذ كافة المشروعات الحكومية، بدءاً من طرحها للمنافسة العامة، ومروراً بإبرام العقد، وانتهاء بتسليم المشروع للوزارة المستفيدة منه؛ بحيث تكون هذه الوزارة مؤهلة بالكوادر والأنظمة التي ترتقي إلى مستوى ثقة الدولة في جهات مثل (شركة أرامكو) إن لم تتفوق عليها.

هذه مجموعة رؤى منثورة، تدور دوماً في خاطري عند كل حديث عن التنمية، أو حوار حول الفساد، أو شكوى من أداء بعض المسؤولين.

أسأل الله أن يوفق قادتنا لما فيه خير ونماء وأمن وأمان الوطن والحمد لله أولاً وآخرا.

 

من المناسب أيضاً استحداث وزارة تقوم على تنفيذ كافة المشروعات الحكومية، بدءاً من طرحها للمنافسة العامة، ومروراً بإبرام العقد، وانتهاء بتسليم المشروع للوزارة المستفيدة منه؛ بحيث تكون هذه الوزارة مؤهلة بالكوادر والأنظمة التي ترتقي إلى مستوى ثقة الدولة في جهات مثل (شركة أرامكو) إن لم تتفوق عليها.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني