المملكة مستهدفة بإشاعة روح الإحباط

السعودية
مقال اسبوعي ينشر كل يوم سبت في جريدة الرياض
بينما كنت أتجول بين بعض الدول متأملاً الوجه السيئ ونواحي القصور البادية على وجوه مدنها وأخلاق أهلها، مقارناً كل ذلك بما نعيشه في المملكة – بفضل الله – من جماليات في المكان وطبائع وأخلاق الإنسان، وبينما أنا كذلك إذ بي أطالع تصريحاً لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل يقول فيه: "إن المملكة مستهدفة بإشاعة روح الإحباط، ونحن قادرون بعون الله على مواكبة الدول المتقدمة". لقد جاءت هذه المقولة العميقة الموفقة وأنا أرى بعيني وأدرك بجميع حواسي مصداقيتها في تلك الدول التي أسير فيها. وكم أحزنني وقتها استغراق الكثير منا في مشاعر الإحباط والتشاؤم التي لا تتلاءم أبداً مع مقومات القوة وعناصر العزة ومظاهر الجمال التي حبانا الله بها كمسلمين أولاً، وكمواطنين سعوديين ثانياً. وقلت في نفسي: لا ينبغي أن تمرّ هذه الكلمة الواعية الحكيمة لسمو الأمير خالد الفيصل مرور الكرام، فهي لم تأت من فراغ، ولم تصدر عن رجل لا يدري ما يقول، كما أنها جاءت في مرحلة من أهم مراحل تاريخنا في المملكة. لقد تنبهنا جميعاً، مواطنين وعلى المستوى الرسمي من جهات حكومية، للكثير من الأخطار والحروب الموجهة ضدنا في المملكة، وتعاملنا مع كل هذه المخاطر والحروب بأعلى درجات الحيطة والحذر والعمل الجاد المتواصل لإحباط آثارها وإفشال أهدافها؛ سواء كان ذلك في الأخطار السياسية والعسكرية، أو الضغوط الاقتصادية، أو أعمال استهداف الأمن الداخلي، والوحدة الوطنية، وحرب المخدرات وجرائم الإرهاب وغيرها الكثير من المخاطر التي لا يستهان بها. إلا أن استهداف الروح المعنوية للمواطنين السعوديين، وإشاعة الإحباط في نفوسهم، وقتل الأمل في الغد، والثقة في كل شيء حولهم، تعتبر حرباً خطرة لم يتنبه لها الكثيرون، وأصبحت تستشري في صفوف المواطنين وتقتل فيهم حب الحياة والعمل للغد والثقة فيما تحقق، وقد ازدادت هذه الحرب خطراً وسعاراً باستغلال مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل التقنية التي أصبح السعوديون أكثر الشعوب استخداماً لها وتواصلاً من خلالها. إن خطر هذه الحرب هو نفسه خطر الهزيمة النفسية التي تعتبر أقسى أنواع الهزيمة، لما لها من أثر عظيم على إسقاط المجتمعات والأمم من داخلها، وجعلها أقرب ما تكون إلى الاستجابة لأي اعتداء خارجي أو محاولة إشعال فتنة داخلية، لأن المجتمعات بمجرد تشربها بروح الهزيمة النفسية، وافتقادها للثقة في وطنها وجميع مقدراته من قادة وعلماء، وثقافة وبناء، ومنجزات حضارية، تصبح بمثابة هياكل الخشب توقعها أدنى هبة ريح. ولعظيم خطر الهزيمة النفسية على المجتمع فقد حذر الله منها المسلمين بقوله سبحانه: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" وقد تكررت هذه القضية العظيمة في القرآن الكريم في العديد من المواضع التي أكد الله عز وجل فيها أن أعظم انتصار وأقوى إنجاز هو الذي يبدأ من ذات الإنسان ومن داخل الأمة والمجتمع، حتى يمكن الوصول للإنجاز الخارجي، ودفع الخطر الخارجي. ومن أعظم دلائل هذه القضية ما قصّه الله سبحانه عن يهود بني النضير الذين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر، وأن بداية هزيمتهم كانت حين قذف الله الرعب في قلوبهم فصاروا يخربون بيوتهم بأيديهم، قال سبحانه: "هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبصار". روح الإحباط عدوٌ لا يستهان به، وخطرٌ لا يُغفلُ عنه، ولعل كلمة الأمير الشاعر خالد الفيصل تكون صيحة النذير لنا لنبدأ العمل على جميع الأصعدة، وفي كافة الميادين لمواجهة هذا الخطر القاتل، وتقوية مناعة أفراد المجتمع السعودي ضده. روح الإحباط والتشاؤم وفقدان الثقة التي أخذت تستشري في نفوس الكثير، تستدعي مشروعاً وطنياً شاملاً لمواجهتها. وجهداً توعوياً جماعياً للتحذير منها. وإذا كان الشباب هم روح الأمة وقلبها النابض؛ فليكن أخوف ما نخاف عليهم منه الوقوع في شراك هذا الخطر القاتل، والاستسلام لما يبثه العدو الخارجي والداخلي في صفوفهم من محاولة فقدان الثقة في كل شيء حولهم، فإنهم إذا لم يشعروا بصلابة الأرض التي يقفون عليها، لن يتمكنوا من الانطلاق منها إلى غيرها، كما لن يفلحوا في الدفاع عنها. ومن فقد الثقة في يومه فلن يصبح مستعداً للانتقال الصحيح إلى الغد. ومتى ما وقع شبابنا في براثن خطر الإحباط، فسيكونوا فريسة سهلة ولقمةً سائغة لكل خطرفكري، أو استهداف خارجي، يبدأ بالفشل والمخدرات داخلياً، ولا ينتهي بالانخراط في فكر التطرف والأعمال الإرهابية داخلياً وخارجياً. وهذا يؤكد أن الوقوع تحت سيطرة فكرة الإحباط، هي الخطوة الأولى والأخطر، والقاعدة الأساس التي يقف عليها كل خطر وهزيمة أكبر منها. لقد علّق خالد الفيصل جرس النذير، ولفت النظر إلى الخطر الكبير، وبقي علينا جميعاً أن نعي الرسالة، ونأخذ الأمر على محمل الجد، وندرك جيداً أنه متى ما انتصرنا على ساحة حرب الإحباط، فإننا منتصرون لا محالة على الكثير من الحروب والأخطار الأخرى التي ليست سوى انعكاس لها. حفظ الله أمتنا ووطننا من كل سوء، والحمد لله أولاً وآخرا.
الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني