عاصفة الحزم.. حراسة الدين وسياسة الدنيا

مقال اسبوعي ينشر كل يوم أربعاء في جريدة الرياض

منذ البذرة الأولى التي قامت عليها الدولة السعودية بالتحالف العظيم بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب رحمهما الله ، كان ذلك إعلاناً بأن هذه الدولة قامت على قاعدة أساسية تتمثل في حفظ الدين أولاً، وحراسته وتسيير أمور الدولة بأحكامه. على أساس متين من عقيدة أهل السنة والجماعة التي جاهد الإمامان وذريتهما من بعدهما لحمايتهما، على ما جاهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم.

وكان هذا الأساس المتين هو السر العظيم، والسبب الفاعل، وراء امتداد هذه الدولة في الزمان، وتمدد أطرافها في حدود المكان. فكما أوهنها الزمان وانتهت، كما في الدولة السعودية الأولى، والدولة السعودية الثانية، عادت كما كانت وأشد قوة. لا لأنها تمتلك جيشاً قوياً يعيدها إلى سدة الحكم، بل في كل مرة تعود يكون ذلك على أكتاف وفي ظل رماح وسيوف أبناء الجزيرة العربية، الذين توطدت في قلوبهم محبة هذه الدولة والولاء لها، حباً للأساس الذي قامت عليه، والذي يعتبر بمثابة العقد والعهد بين الراعي فيها والرعية.

وطيلة السنوات الطوال التي قضاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان – أيده الله – في مركز القيادة والمسؤولية في هذه الدولة من خلال عدة مواقع ابتداء بإمارة منطقة الرياض وانتهاء بتولي الحكم ، وهو – رعاه الله – يستحضر دوماً وبكل إيمان وشغف قصة ملحمة التوحيد والوحدة، ويكرر على أسماع الأجيال المتعاقبة أسس وملامح قيام هذه الدولة والكيان الوحدوي العظيم، وكأنه – رعاه الله – في ذلك يُحضّر شعبه وأجيال الشباب في دولته، ليكونوا على أهبة الاستعداد لفهم واستيعاب كل ما يستجد في المستقبل من أحداث لا يستطيع تفسيرها وفهمها والإيمان بها، من لم يستحضر أساس قيام الدولة السعودية.

واليوم ، وخادم الحرمين الشريفين – أيده الله – يتخذ قراره الحازم الرشيد بالاستجابة لاستغاثة ونداء الشعب اليمني ممثلاً في قيادته وحكومته ومواطنيه، لردع العدوان الأثيم الذي تمادى فيه شرذمة من المفسدين في الأرض، وعصابة مكونة من فريقين جمع بينهما شرٌّ لا خير فيه، أحدهما باع وطنه وأهله وأرضه لأطماع دولة غريبة عنهم ديانة وعِرقاً، لا تريد إلا جعلهم وقوداً لمصالحها، وحطباً في نار أطماعها. والآخر خائنٌ تشرب الخيانة منذ وقت مبكر، وألحق بشعبه الويلات تلو الويلات، التي ليس أولها أنه جرّهم إلى الفقر والتشريد بموقفه البئيس من احتلال العراق للكويت، ثم توالت بعد ذلك بسبب هذا الفاسد العديد من النكسات والخراب في اليمن، لأنه كان طيلة سنوات حكمه يعمل لبناء وحماية مصالحه الشخصية ومصالح المقربين منه، على حساب المواطن اليمني المغلوب على أمره.

وفي ليلة مباركة لم يفق الناس إلا على أخبار الضربة المعتصمية، والغضبة الإيمانية ، والشكيمة العربية الأبية، التي أمر بها وقادها خادم الحرمين الشريفين – أيده الله – لتقليم أظافر عدوان المعتدين على أمن وسيادة اليمن، الذين يستمدون قوتهم من الدعم غير المحدود من إيران، دعماً يستهدف التخريب لا البناء، والفتنة لا الإصلاح، وكان يوشك على انهيار اليمن ووقوعه تحت أقدام الأطماع الفارسية التي تأصل الحقد فيها على العرب أمة ، وعلى الإسلام ديناً وعقيدة.

وإذا كان من أعظم واجبات ولي الأمر المسلم أن يقوم على حراسة الدين، وحفظ العقيدة، وسياسة الناس بهما، ومصداقاً لذلك نصت المادة الخامسة والعشرون من النظام الأساسي للحكم على أنه: "تحرص الدولة على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة.." فإن ما وفق الله إليه خادم الحرمين الشريفين من قرار بالبدء في العمل العسكري في اليمن، إنما جاء في هذا الإطار، ولذات الغاية والهدف. فقد تعاظم الخطر على عقيدة أهل السنة والجماعة، وأحدق الشرّ بهم من كل جانب، بسبب الأطماع الفارسية الحاقدة التي تنطلق منها إيران منذ سنوات طويلة، وتلبس لباس الدين، بينما لم يعد خفياً حتى عن الكثير من شيعة العرب أن إيران لا تريد بهم ولا لهم خيراً أبداً.

والمملكة بما لها من ثقل إسلامي سياسي كبير، وما حباها الله من شرف احتضان الحرمين الشريفين، لا يمكن لها أن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أطماع إيران في بلدان العالم الإسلامي، ولا أن تترك لها حرية افتراس الدول الإسلامية دولة بعد دولة. ولقد ظلت المملكة طيلة السنوات الماضية تحاول مدّ يد العون والمساعدة للأشقاء في اليمن للحفاظ على استقرارهم وأمنهم ووحدتهم، وبذلت بمشاركة أشقائها في دول الخليج أقصى ما يمكن للدبلوماسية والجهود السلمية أن تقدمه من حلول وجهود

ومحاولات.

وصدرت في ظل ذلك العديد من القرارات من مجلس الأمن الدولي، والمبادرة الخليجية التي لم تكن تميز مكوناً من مكونات اليمن عن آخر، ولا كان لها أي طابع طائفي ولا مذهبي، إلا أن كل هذه الجهود كادت أن تذهب في مهب الريح أمام جنون وحماقات حاملي السلاح من الحوثيين وعصابة المخلوع الفاسد.

وقد كشفت كل الأحداث الأخيرة أن هذين الفريقين لا يحملان أي همّ لصلاح اليمن ولا استقراره، وأن كلاً منهما يسعى لمصالح أخرى غير مصالح الدولة اليمنية والمواطن اليمني. فلم يكن بدٌ من أن تتدخل الهمة العالية، والعزيمة الماضية، للمسلم العربي الأصيل سلمان بن عبدالعزيز، لفعل ما يمليه عليه واجب الدين والعقيدة، متمثلاً بذلك قول القائل:

ووضع الندى في موضع السيف في العلا

مُضرٌ كوضع السيف في موضع الندى

وسيذكر التاريخ الإسلامي لسلمان بن عبدالعزيز هذه الوقفة التاريخية، والقرار الذي حرف بوصلة الأحداث الدولية والعالمية المتعلقة بالمنطقة، وأعاد لأمة الإسلام كيانها واعتبارها وعزتها، وثقتها في قادتها.

أسأل الله العظيم أن يحمي جنودنا البواسل وكافة المشاركين في عاصفة الحزم، وأن يكتب لهم النصر والتأييد، ويرحم شهداءهم ويشفي جرحاهم.

وأسأله سبحانه أن يحفظ قادتنا ويعزهم بالإسلام ويعز الإسلام بهم آمين.

والحمد لله أولاً وآخرا

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني